الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية التحالف المدني من أجل التعليم يعرض هذه التصورات والحلول لانقاذ القطاع في تونس

نشر في  06 أوت 2015  (17:41)

بقلم: الأستاذ زهير الزارعي (عضو الهيئة التأسيسية للتحالف المدني من أجل التعليم)

يُجمع التونسيون على اختلافهم وتنوعهم على وشك انهيار المنظومة التعليمية العمومية التي وصلت درجات قاسية من التدهور على صُعُدٍ مختلفة وينذر تدهور المنظومة التعليمية بمخاطر بالغة تتهدد المجتمع ومستقبل البلاد عموما، إذ بين نجاح المنظومة التعليمية ورقيّ المجتمعات وتنميتها علاقات وثيقة ولعلّ تفشي البطالة والجريمة والتطرف وموجات اليأس في صفوف الشباب المعطل عائد إلى أزمة هيكلية في منظومتنا التعليمية وغنيّ عن التوضيح أن ارتفاع نسب التمدرس وارتفاع نسب النجاح وكثرة المتخرجين من الجامعة لم يكن أبدا نتيجة كفاءة في المنظومة بقدر ما كان نتيجة سياسات تربوية فاشلة وعقيمة وغير متلائمة مع واقع البلاد الاقتصادي فأصبحنا نعيش أزمة متعددة الأوجه.
وفي سياق ما أعلنته وزارة التربية من رغبة في الاصلاح يشاركها فيها كل التونسيين وقد شرعت في الاستشارة الوطنية حول التربية وكان يوم 23 أفريل 2015 تاريخ انطلاقها من قصر المؤتمرات بالعاصمة، وقد شاب هذه الاستشارة الكثير من التسرّع لاختيارها نهاية السنة الدراسية التي تتزامن مع الامتحانات الوطنية ومع دخول المربين في عطلة الصيف وقد كان الاتحاد العام التونسي للشغل والمعهد العربي لحقوق الانسان شريكين رئيسيين لها وهما من المنظمات الوطنية العريقة ولكننا نلحظ أن الكثير من الجمعيات الفاعلة في التربية بقيت على هامش هذه الاستشارة كما أن عموم المربين العاملين بالمؤسسات التربوية تدريسا وتأطيرا وتسييرا ظلوا على هامش الاستشارة ولئن وجهت الوزارة منشورا يدعو إلى استشارة محلية وجهوية تخص التلميذ والمربي والوليّ فإنها قد خصصت ساعة للتلاميذ في أقسامهم ونصف يوم للمربين نراه حيّزا زمنيا برقيا لا يفي بالمطلوب ولا يحقق الهدف إذ لا يستقيم أن نناقش محاور تتصل بالحياة المدرسية وتطويرها وبتكافؤ الفرص وبالحوكمة والتسيير في ورشات مستعجلة لقضايا تحتاج وقتا أطول واستعدادا وإعدادا مسبقين.. وقد اتسم الحضور بالضعف فبعض المعاهد لم تتجاوز نسبة الحضور10 %وهو تمشّ ينذر بمخاطر حقيقية لعل أهمها إبقاء المربّين والفاعلين في المجال التربوي خارج السياق رغم أنهم يمثلون العمود الفقري لأي إصلاح وإذا لم يقع تشريكهم وتوفير الآليات الملائمة لذلك وتخصيص الحيز الزمني الكافي ليستوعبوا مشاكل المنظومة ويستوعبوا الرؤى الجديدة المزمع إدخالها على المدرسة سيبقون على الهامش ولن تتوفر الأسباب العميقة لمشاركتهم وانخراطهم الضروري في هذا الاصلاح.
في هذا الإطار ظهر التحالف المدني من أجل التعليم كمبادرة جمعياتية مواطنية يضم أكثر من مائة جمعية وجمعًا من المواطنين المهتمين بالتربية والمواطنة والطفل والبيئة والأسرة من مربين وأطباء ونقابيين وناشطين في المجتمع المدني وخبراء في التربية وعلومها وأولياء وتلاميذ وطلبة غايته تحسيس المجتمع والسلطة بخطورة هذا الاصلاح وبضرورة الابتعاد عن الارتجال والتسرّع في انجازه وبضرورة اعتماد منهجية علمية واضحة وتخصيص حيّز زمني معقول ولا يمكننا البتة أمام تفاقم أزمة التعليم أن نبرّر التسرع وأن نقع فيه لأن كل تسرع وخيم العواقب في مشغل يمثل إصلاح الإصلاحات.
والتحالف المدني بما فيه من خبرات متعددة المشارب والاختصاصات لا يقدم نفسه بديلا عن الوزارة ولا عن أي منظمة وطنية أخرى ولكنه يؤمن بتكامل النضالات وبأن اختلاف المتدخلين هو أمر يزيد عملية الاصلاح قوة ومتانة لتعدد زوايا النظر ولا يقدم التحالف أيضا نفسه على أنه يملك العصا السحرية لكل هذه المشاكل بل يدعو أساسا ومبدئياً إلى :
أولا توسيع الاستشارة على مستوى الأطراف المتدخلة وعلى مستوى الزمن المخصص واعتماد آليات واضحة لمشاركة أكبر طيف من المعنيين بالتربية والباحثين فيها ولا سيّما من رجال التربية لأن لا إصلاح بلا تشريك فعلي وبلا انخراط فعلي لكل هؤلاء.
ثانيا يدعو التحالف المدني من أجل التعليم إلى اعتماد تمشّ علمي لأنه يرى التربية علما وإصلاحها علوم ولا يمكن أن يكون الإصلاح عميقا إذا لم يعتمد تشخيصا عميقا ومبنيا على استشارات معمقة واستبيانات واضحة ودراسات ميدانية عميقة،فمنظومتنا التعليمية تشكو من تفاوت رهيب واختلال عميق توضحه نتائج البكالوريا التي تتراوح النسب فيها نجاحا من 100 % نجاحا في المعاهد إلى 50 % لتصل إلى 10 % ونحن نتحدث عن نسب في ولاية واحدة، أضف إلى هذا الاختلال الداخلي في النتائج صلب الولاية الواحدة اختلالا بين الجهات من الولاية الأولى في النتائج إلى الولاية الأخيرة وهو موضوع حارق يفتح الباب على مشكلة التنمية وعلى التفاوت الرهيب بين مناطق البلاد وهو ما يضرب مفهوم تكافؤ الفرص والعدالة بين المواطنين ويجعل الفوارق تزداد.
ثالثا يدعو التحالف إلى فتح ملف التربية على جميع المتدخلين وكل الوزارت ذات الصلة فالتربية ليست مهمة وزارة التربية وحدها ولا مهمة المربين وحدهم، بل هي شأن مجتمعي يعني كل التونسيين ولا بد أن يشترك الجميع في أعباء هذه المهمة الخطيرة على أننا نسجل أن الوزارة والحكومة كلاهما لم تعْطِيا هذا الأمر حظّه على مستوى الإعلام والتحسيس في الإذاعة الوطنية والتلفزة الوطنية وفي الشارع وفي الفضاءات العامة وهو أخطر ملف ونحن نلاحظ مثلا أن الانتخابات التي هي محطة كل خمس سنوات ولا ترقى من حيث الأهمية إلى ملف في حجم ملف التربية ومع ذلك فقد حظيت بزخم إعلامي رهيب في كل الفضاءات الإعلامية العامة والخاصة وفي سائر المدن والساحات ولا يمكن الحديث عن ديمقراطية وحرية ومواطنة وقيم في ظل منظومة تعليمية ينقطع فيها عن التعليم سنويا من 100 ألف تلميذ إلى 120 ألفا وتنتج جيوشا من المتخرجين يلتحقون بصفوف العاطلين سنويا بلا أمل في المستقبل.

ومن منطلق حبنا لهذا الوطن وإيماننا بأن مستقبله من مستقبل إصلاح منظومته التعليمية إصلاحا عميقا، شرع التحالف المدني في رصّ الصفوف من أجل هذه المهمة الوطنية الجليلة غايته التحسيس والتعبئة وقد تواصلنا مع لجنة التربية بمجلس نواب الشعب وكانت لنا معها جلسة يوم 2 جويلية 2015 وقدمنا لأعضائها ملفا يوضح رؤيتنا التي شرحناها لهم وتواصلنا مع الوزارة بالمراسلة وحصل لقاء بين السيد وزير التربية يوم 31 جويلية 2015 والأستاذ زهير زارعي كممثل عن التحالف المدني من أجل التعليم بمناسبة زيارة الوزير إلى سيدي بوزيد في ذات اليوم في البرنامج المباشر بين قوسين على راديو الكرامة، وقد أبدى السيد الوزير تفهّما وتجاوبا إيجابيا مع ما يقدّمه التحالف المدني من أجل التعليم ووعد باشراكه والاستماع إلى مقترحاته وفتح باب الوزارة وتحديد جلسة استماع معه.
وقد أنجز التحالف المدني من أجل التعليم يومين دراسيين بصفاقس تحت عنوان :"التربية علم وإصلاحها علوم" يومي 27 و28 ماي 2015 بالمعهد العالي لإدارة الأعمال وقد حضر جمع من الخبراء والناشطين من الكثير من الولايات وانفتح التحالف على الأطباء وعلماء الاجتماع وخبراء علوم التربية وأنجز يوما دراسيا بسيدي بوزيد في إطار التحسيس والتشخيص على أساس جهوي تحت عنوان "من أجل تشخيص دقيق لإصلاح عميق"، وقد نجح هذا اليوم وشارك فيه رجال تربية ومواطنون من بنزرت وسوسة وصفاقس وتونس وسيدي بوزيد وقفصة.
وسيواصل التحالف المدني من أجل التعليم نشاطاته التحسيسية والعلمية بإرادة صلبة لا تلين وبمجهودات مناضليه وأنصاره من أجل التربية وإصلاح عميق وحقيقي لها وهو تحالف مفتوح للجمعيات وللأفراد هاجسه التربية ويدعو الجميع إلى ترك الاختلافات والانكباب على إصلاح التربية من أجل مستقبل البلاد بعيدا عن أي منطق سياسوي أو فئوي.
وفي هذا السياق ندعو وسائل الإعلام إلى تخصيص حيز أكبر لموضوع الاصلاح التربوي وإلى الانفتاح أكثر على تجربتنا في التحالف المدني من أجل التعليم لا من أجل الشهرة والظهور بل من أجل قضية وطنية جامعة تحتاج مجهودات كل التونسيين على اختلاف مواقعهم.
وفي الختام نوجّه التحية إلى كل الجمعيات المنخرطة معنا في أنشطتنا وإلى كل المواطنين والمربين الذين يمثلون نبض التحالف ونذكر كل وسائل الإعلام والإعلاميين الذين مكّنونا من مساحة لتوضيح رؤيتنا وتساعدنا على المساهمة في إصلاح التعليم.

 

الهيئة التأسيسية: إيمان الجربوعي. أحلام عمار. نجيبة الرقيق. زياد بن عمر. زبيدة الذوادي. زهير الزارعي